ظاهرة الاعتداء الجنسي على لأطفال ليست وليدة اليوم، وليست محصورة في مجال جغرافي محدد، بل هي قديمة تضرب بجذورها عبر التاريخ، وهي واسعة النطاق اعتبارا لكونها عالمية ودولية، لكنها عرفت في نهاية القرن العشرين وبداية هذا القرن انتشارا واسعا، خاصة في الدول المتخلفة، التي تعرف ارتفاع نسبة (الفقر، الأمية والجهل). ويرى العديد من المهتمين بحماية الطفولة، أن هذه الظاهرة استفاقت من غيبوبتها لتدق أجراس الخطر، خاصة بعد تأسيس جمعيات عدة على كافة ربوع الوطن تهتم بالطفولة وتحتضنهم وتمد يد المساعدة لأسر الضحايا..
أصبحت ظاهرة الاستغلال الجنسي
للأطفال في المغرب، تنتشر وتتفاقم وتقض مضجع الأسرة المغربية، وتثير القلق والفزع
في قلوب الآباء والأمهات، لأنها جريمة في حق براءة الطفولة، وتعتدي عليها جنسيا،
ما يترك جروحا وندوبا في نفس وعقل وجسم الطفل ويكون لها تأثير سلبي على حاضر ومستقبل
حياة المجني عليه. إن الاستغلال الجنسي ضد الأطفال يتخذ عدة أشكال ابتداءً من
التحرش الجنسي إلى هتك العرض بعنف أو دونه انتهاءً بالاغتصاب، أما الفاعل فقد يبدو
شخصا سويا في المظهر، لكن يقول محمد الطيب بوشيبة المنسق الجهوي لجمعية "ما
تقيش ولدي" بطنجة، أن مرتكب هذه الجريمة في غالب الأحيان يكون قد تعرض بدوره
للاغتصاب في طفولته، و تسيطر عليه نزعة الإنتقام، وبذلك يحاول بكل الطرق اصطياد
ضحاياه، والتقرب إلى الضحية حتى يكسب ثقته- يضيف بوشيبة- مما يجعلنا أمام ظاهرة
معقدة. أمام تعقيد هذه الظاهرة وخطورتها على المجتمع ككل، وفي ظل الصمت المطبق على
مثل هذه الجرائم، نتيجة عوامل اجتماعية مختلفة، كيف يمكن فهم هذه الظاهرة الخطيرة،
لحماية الأجيال الناشئة من الوقوع فريسة بين أيدي الوحوش الأدمية؟ وما أسباب تفشي
هذه الظاهرة؟ ومن المسؤول عنها؟ وما هي المساطر القانونية التي تُتبع في مثل هذه
القضايا؟
طابو الإعتداء الجنسي على الأطفال...الظاهرة
الصامتة
"استفحلت" ظاهرة اغتصاب
الأطفال في الآونة الأخيرة، و معها ازدادت ملحاحية الحقوقيين والمهتمين بالطفولة
بضرورة التعبئة وتكثيف الجهود لحماية الأطفال ولأسرهم والمجتمع بصفة عامة. ولمواجهة
هذه الآفة التي تنخر جسد المجتمع المغربي، وتبخر آمال العديد من الأبرياء الذين
يعانون في صمت، وتدمر سيكولوجية المجتمع وتهدد استقراره، وتضع العائلات أمام محك
حقيقي عنوانه البارز: الإحراج، أو كما عبر عنها بوشيبة بقوله "إننا أمام
ظاهرة صامتة"، الناشط الحقوقي محمد علي الطبجي يعتبر هذه الظاهرة ليست
بجديدة، ولكن الجديد في الموضوع هو اقتحام ثقافة الطابوهات من طرف العديد من
الجهات وعلى رأسها جمعيات المجتمع المدني، ولا يمكن الحديث اليوم عن استفحال
الظاهرة ولكن عن إماطة اللثام عنها. باختصار إنها ظاهرة اغتصاب الأطفال والتي كثيرا
ً ما تحدث دون أن نعلم بها، فهي خلف الستار، ويتكتم عنها العديد من الناس، خوفا من
العار الذي قد يلحق بهم عند علم المحيط بالحادثة، ولكن عندما يكون الضحايا أطفالا
في عمر الزهور يصبح التستر على هذه الحالات عارا و تقديم الشكوى بشأنها هو الفعل
الصحيح لحماية براءة الأطفال.
أسباب استفحال الظاهرة : طنجة نموذجا.
يمكن اعتبار أهم العوامل التي
تساعد على استفحال ظاهرة اغتصاب الأطفال الأبرياء في مجتمعنا كونها ظاهرة صامتة،
فالحديث في موضوع يتصل بالجنس يعتبر طابوها غريبا، وتكمل هذه الغرابة في كون
المجتمع يعيش في زخم من المتناقضات المرتبطة بموضوع الجنس، ففي الوقت الذي يرفض
المجتمع المغربي خوض نقاش مفتوح في الموضوع، نجده يُقر كل مظاهر السلوكيات الجنسية
في الشارع ووسائل الإعلام على مستويات عديدة ومتنوعة. الحقوقي محمد علي الطبجي
والناشط بجمعية "آمنة" بطنجة يرى أن من بين أسباب انتشار هذه الظاهرة: البؤس
الأخلاقي الذي وصل إليه المجتمع المغربي، عدم الإهتمام ومعالجة الأمراض الإجتماعية
ذات الصلة بالموضوع، بالإضافة إلى ترسخ ثقافة الطابو وصمت المجتمع. مدينة طنجة
كغيرها من المدن المغربية الكبرى نتابع فيها يوميا مثل هذه الحوادث المؤلمة، لذا
يقول المنسق الجهوي لجمعية "ماتقيش ولدي" بطنجة محمد الطيب بوشيبة أن
هناك أسباب ثلاث لإستفحال هذه الظاهرة الخطيرة بمدينة طنجة "ونطالب بأخها
بعين الاعتبار لمحاربة هذه الآفة التي تهدد المجتمع" من بينها يقول بوشيبة : أن
مدينة طنجة كونها مدينة سياحية و مدينة عبور، مدينة صناعية بالإضافة إلى مشكلة
الأمن المدرسي الخاص.
حماية الأطفال من الإعتداء الجنسي،
مسؤولية من ؟
لايمكن تقديم حماية كلية للأطفال من الاغتصاب الجنسي، حسب العديد
من المهتمين بالموضوع، وبذلك ينصحون الآباء والأمهات بتأمين التماسك الأسري، قبل
أي شيء آخر مع الإهتمام المستمر بالطفل، وعدم التغيب عنه، فدور الأبوين داخل
المنظومة التربوية للطفل يتجلى من خلال قواعد رئيسية : الإشراف، التأطير، وتوعية
الطفل بالأساليب التي يلجأ إليها المعتدون جنسيا، وفي هذا الإطار تقول نجية أديب
الناشطة في حماية الطفولة أن الإعتداءات الجنسية على الأطفال ظاهرة قديمة تتطلب
مساهمة مدنية، إعلامية وقانونية، وهذا ما يؤكد عليه محمد الطيب بوشيبة المنسق
الجهوي لـ"ماتقيش ولدي" بطنجة، إذ يعتبر المسؤولية جماعية وإن كان
يحملها بالدرجة الأولى للأسرة، التي يقول عنها أنها تساهم بدورها في انتشار الظاهرة،
إما بالسكوت عنها، أو تسخير واستغلال الأبناء في أعمال من شأنها تعريضهم لكل مخاطر
الاعتداء.
ما هو الإطار القانوني الدولي الذي يمنع
استغلال الأطفال جنسيا؟
تعتبر اتفاقية حماية الطفل لسنة
1989الاطار القانوني الدولي الذي صاغ مجموعة من المبادئ والقواعد التي تحمي
الاطفال وتمنع استغلالهم جنسيا، بحيث تنص المادة 34 من الاتفاقية على أن الدول
الأطراف تتعهد بحماية الطفل من جميع أشكال الاستغلال الجنسي والانتهاك الجنسي.
ما هي التدابير الزجرية المتخذة من
طرف القانون الوطني لحماية الأطفال من الاستغلال الجنسي ؟
العقوبات وفقا لمقتضيات القانون
الجنائي المغربي تختلف وتتفاوت حسب الظروف فالعقوبة تتراوح بين سنتين وخمس سنوات
لمن هتك دون عنف أو حاول هتك عرض قاصر تقل سنه عن ثمان عشرة سنة حسب الفصل 484 من
القانون الجنائي لكن العقوبة تتضاعف لتتراوح بين خمس سنوات إلى عشر سنوات لمن هتك
عرض أو حاول انتهاك العرض مع استعمال العنف أما إذا كان المجني عليه طفلا تقل سنه
عن ثمان عشرة سنة أو كان عاجزا أو معاقا أو معروفا بضعف قواه العقلية فإن الجاني
يعاقب بالسجن من عشر إلى عشرين سنة. وفقا للفصل 485 من نفس القانون. وتعليقا على
هذه العقوبات الزجرية يقول الناشط الحقوقي الطبجي : " أعتقد أن العقوبات
كافية، غير أن الأمر لا ينبغي أن يقف عند هذا الحد، بقدر ما ينبغي أن نتجاوز
النظرة الضيقة للجاني باعتباره منحرف، بل ينبغي كذلك النظر للجناة كمرضى نفسيين،
بالإضافة للعقوبة السجنية، يكونون في أمس الحاجة لعلاج نفسي لتجاوز الأزمة". هذا
وإن كان رجال القانون يعتبرون أن المشرع المغربي، خصص ترسانة قانونية متشددة
لمعاقبة مرتكبي هذه الجرائم، بمختلف أنواعها في حق القاصرين، ذكورا وإناثا، فإن
الواقع الملموس، يؤكد أن اغتصاب الأطفال بالمغرب يعتبر جريمة من الصعب إثباتها،
ينضاف إليها الصمت والتستر عوض فضح الجريمة والجاني خوفا من العار والفضيحة.
بقلم:عبد
المنعم المساوي
0 التعليقات:
إرسال تعليق