في لقاء لجريدة "صحافة اليوم" مع السيد محمد الطيب بوشيبة منسق جمعية "ماتقيش ولدي" بمدينة طنجة حاول إعطاء فكرة موجزة عن عمل الجمعية الأم، التي تأسست سنة 2004 من طرف السيدة نجاة أنور لتنطلق بعد ذلك باقي الفروع بالمملكة بما فيها منسقية طنجة، والتي تعمل على حماية الطفل وصيانة حقوقه وكرامته من شتى أنواع الاعتداءات اعتمادا على مرجعية الدستور والاتفاقيات الدولية، ذات الصلة بحقوق الطفل، كما أو ضح لنا طريق اشتغال الجمعية وطبيعة وأنواع الحالات المعروضة عليها، وكذلك الشراكات والاتفاقيات الموقعة مع باقي القطاعات الحكومية من أجل محاربة شتى الاعتداءات على حقوق الطفل. وفيما يلي نص الحوار..
- منذ إنشاء جمعية "ماتقيش ولدي" جعلت محاربة الاعتداء والاستغلال الجنسي أولية من أولوياتها لما تحدثه من ضرر نفسي على المعتدى عليه ولسيما بالوسط المدرسي، فما هي مجالات الاشتغال الأخرى للجمعية؟
- جوابا على استفهامكم الذي طرحتم، وتحديدا في الشق المتعلق بالحيثيات التي حدت بنا إلى تأسيس تنسيقية طنجة لجمعية "ما تقيش ولدي" والأهداف المتوخاة منها، فيمكن القول: إن الفكرة جاءت نتيجة تطور طبيعي لعمل الجمعيات " المدنية "، والتي تبحث عن توسيع نطاق عملها فوق كل التراب الوطني، خاصة وان الجمعية منذ تأسيسها بالرباط، ركزت منذ انطلاق عملها على محور أكادير ومراكش والدار البيضاء، وبعدها جاءت فكرة الانفتاح على باقي التراب الوطني. هذا فيما يخص عمل الجمعية الأم، أما بخصوص منسقية طنجة، فإن الأمر مرتبط بالتطورات التي عرفتها وضعية الطفولة في المدينة والحالة الخطيرة التي وصلت إليها وضعية الأطفال في بعض جيوب المدينة كالأحياء الهامشية مثلا أو دور الصفيح ... وحالة التشرد والإقصاء التي يعيشها الأطفال المنعوتون ظلما بـ"أطفال الشوارع " وأطفال دور الرعاية، وأطفال الإصلاحيات إضافة إلى الأطفال الذين يفدون إلى المدينة بأعداد متزايدة بحثا عن الهجرة إلى الخارج، وغيرهم من الأطفال الذين يعيشون أوضاعا صعبة في أوساطهم العائلية…
من هذا المنطلق، قمنا – نحن منسقية طنجة – بالتنسيق مع الجمعية الأم في شخص رئيستها ومؤسسة الجمعية وطنيا السيدة: نجاة أنوار، وذلك بتاريخ 15 يناير2010 بفندق الريف بطنجة، حيث أوكلت إلي مهمة التنسيق التي أعتز بها كثيرا، خاصة وان زملائي وزميلاتي بالتنسيقية هم من ذوي الرصيد الكبير في العمل الحقوقي والتطوعي.
ومنذ اليوم الموالي لتأسيس التنسيقية، بدأنا التنسيق مع المتدخلين في مجال حماية الطفولة سواء على المستوى الرسمي أو المدني والجمعوي، واضعين نصب أعيننا إستراتيجية عمل تنسجم في جل أهدافها مع أهداف الجمعية الأم، وقد تنفرد ببعض الخصوصيات التي تفرضها طبيعة المنطقة والحمولة السوسيو- ثقافية لساكنتها لذا، حددنا أولويات العمل منذ انطلاق التنسيقية في ما يلي:
العمل على خلق مرصد وطني لحماية الأطفال ضحايا الاعتداء والعنف بكل أنواعه.
تحديد مجالات تدخل التنسيقة ومهام أعضاءها واللجان الوظيفية (الميدانية).
التفكير مع كل المتدخلين في حقل الطفولة بطنجة، على تكوين نواة صلبة لتجميع المعلومات وتوزيع الأدوار للحيلولة دون هدر كرامة الطفولة المغربية.
العمل على خلق مركز إيواء مرحلي للأطفال الذين يقفون أمام العدالة بتهمة الهجرة السرية، والعمل على إيوائهم إلى حين ظهور ذويهم أو أوليائهم.
- ما هي طبيعة حالات الاعتداء والاستغلال الجنسي المعروضة على الجمعية، وكم بلغ متوسط عدد حالات الاعتداء المسجلة منذ إنشاء فرع جمعية "ما تقيش ولدي" إلى الآن؟
- يمكن القول أن وضعية الطفولة بالمجال الترابي لولاية طنجة لا تختلف كثيرا عما سواها بباقي التراب الوطني، إذ رغم أن حقوق الطفل راكمت مبدئيا أكبر قدر من التوافقات المجتمعية، على الصعيد الوطني والدولي، وبالتالي فسحت المجال لعمل الشراكات المختلفة ذات الصلة والمتعددة المستويات والأطراف قصد خدمة المصلحة الفضلى للطفل، إلا أن أغلب الأطفال لازالوا يعانون من كل أنواع الإقصاء والعنف والمعاملة غير اللائقة.
على مستوى التمييز: في الجنس (ذكور – إناث) / الوضع الصحي (سلامة - إعاقة) / الوسط (حضري - شبه حضري - قروي) / الوضع الأسري (بأسرة ـ في حالة كفالة – دون رعاية).
على مستوى الحرمان من الحقوق: حق الحماية من الاستغلال وسوء المعاملة / الحق في الحياة والبقاء / الحق في المشاركة واتخاذ القرار / الحق في التطور والنمو (النفاذ إلى التربية والحق في الترفيه).
على مستوى الاستغلال: تشغيل الأطفال في ظروف قاسية جدا، وبأثمان بخسة من دون حقوق (عند الحرفيين، في الشوارع كمتسولين من طرف عصابات النشل واعتراض السبيل في بعض المشاغل، في مطارح الأزبال، في بيوت المحضوضين) / الاستغلال الجنسي للأطفال في السياحة الجنسية في حالات الاعتداء الجنسي أو الاغتصاب في حالات / التعرض للمعاملة السيئة من طرف الأسرة، في المدرسة، في الشارع، في علاقتهم مع أقرانهم.
كل هذا، وأكثر يحدث أمام أعين الجميع في مغرب وقع على مشروع الإعلان العالمي لبقاء الطفل وحمايته 1922 وصادق على ملائمة اتفاقية حقوق الطفل مع القوانين والتشريعات الجاري بها العمل 1993
وقدم التقرير الأول للجنة حقوق الطفل 1995 في المؤتمر الوطني الأول حول حقوق الطفل 1994، وصادق أيضا على اتفاقية المؤتمر العالمي لحماية الأطفال من الاستغلال الجنسي لأغراض تجارية (السياحة الجنسية) 1996 في اللقاء الجهوي الإفريقي ضد الاستغلال والعنف والاعتداء الجنسي على الأطفال بالرباط 2004
ورغم كل هذا، وما يمكن أن يكون، يبقى الطفل معرض لتهديدات كثيرة تمس حياة أطفالنا النفسية والاجتماعية والصحية.
فكيف يعقل أن يحرم مثلا أطفال في المناطق الهشة من المدينة من حق التسجيل في الحالة المدنية بدعوى تواجد الأسرة في وضعية غير ملائمة.
وكيف يعقل أن يترك الأطفال بالشوارع لمخاطر الليل والنهار دون أن تحرك ساكنا ، وتكتفي بالتفنن في إلصاق النعوت الدميمة بهم (شمكارة ، حراكة، أطفال الشارع، والمعيال الشعبي واسع في هذا المجال. وحتى الفئة المحظوظة التي تلج المدارس العمومية أو الخاصة، تتعرض لعنف لفظي معين من قبل أساتذتهم أو إدارتهم ويستشري هذا النوع من العنف حتى في البيوت، بسبب قسوة الظروف المعيشية والخلافات الأسرية أو جهل الآباء.
إذن نحن أمام معضلة، ولا يمكن لحد سواء كبيرة ومتشعبة، ولا يمكن لأحد سواء أكان سلطة أو جمعيات أو مؤسسات أن يحل الإشكال لوحده، ولكن يمكن ان نخلق نواة صلبة للعمل المشترك لإنقاذ طفولتنا. وفي هذا السياق نحاول العمل، وكلنا استعداد للتتبع مع الأطراف الأخرى المهتمة بوضعية الطفولة ، والدعوة إلى ضخ دماء جديدة في عروق الشبكة المحلية لحماية الأطفال ضد الاعتداء والاستغلال الجنسي بطنجة.
- بتاريخ 25 مارس 2010 تم عقد يوم دراسي بمشاركة مجموعة من الفاعلين بمدينة طنجة، حيث تمت زيارة ثانوية ابن بطوطة وتوزيع ميثاق التربية على حقوق الإنسان ومناهضة العنف المدرسي، فما هي آخر مستجدات هذا المشروع؟
- القيمة المضافة التي بإمكاننا كمنسقية طنجة لجمعية "ما تقيش ولدي" أن نضيفها للعمل الحقوقي المغربي: فإننا نعتقد أننا وضعنا خارطة الطريق لمقاربة إشكالية العمل لصالح الطفولة ببلادنا وحددنا مجالات تدخلنا باحترافية، محاولين العمل في هذا السياق، مع متخصصين سواء على مستوى المرافقة أو التربية أو البحث وإعداد تقارير موازية.
فبالنسبة للمجال الأول المرتبط بالمرافقة، فإن التنسيقية تضم مجموعة من خيرة المحامين في طنجة، للدفاع عن حقوق الطفولة، وتنوير الرأي العام بحقوقهن وبالقوانين والفصول والتشريعات المرتبطة بذلك.
أما بالنسبة للشق التربوي، فإن التنسيقية ضمت إلى صفوفها طاقما من المتخصصين في المجال التربوي، خاصة بعد أن أصبحت الممارسة البيداغوجية تخرق حقوق الطفل وبالأخص، على مستوى:
- التمييز بين التلاميذ بسبب العلاقات الخاصة أو التربوية أو بسبب ظاهرة الساعات الإضافية ( الرشوة المقنعة).
- العنف اللفظي داخل المدارس والإهانات المتكررة في حق التلاميذ من قبل الإداريين أو الأساتذة بدعوى الاكتظاظ وعدم ملائمة الفضاء التربوي للأداء البيداغوجي.
- أما خارج الحياة المدرسية:
فإن الطفل يصدم بشارع أو مجتمع لا يعيره الاهتمام في غياب فضاءات خاصة به، وفي غياب انخراط جماعي للعمل على احترام حقوق الطفل، وحمايته من العنف والهدر الإنساني والنفسي.
- وبما أن اخطر ظاهرة والتي أصبحت تتكرر في المغرب، وبمظاهر جديدة ومشينة وهي تدخل في إطار إعادة إنتاج العنف والاعتداء، ألا وهي ظاهرة الاعتداء الجنسي على الأطفال، والتي أصبحت تطرح بحدة في مجتمعنا (سفاح تارودانت وسفاح المحمدية مؤخرا) وكون المغرب في غياب الرقابة الحقيقة وتواطأ الجميع عن طريق الصمت واللامبالاة، أصبح قبلة للسياحة الجنسية الشاذة التي يكون أغلب ضحاياها أطفال من ذكور وإناث لوضعهم لهذا الغرض عصابات منظمة متخصصة في الهجرة السرية والدعارة والمخدرات، وتنشط هذه الظاهرة في المدن السياحية المغربية الكبيرة منها والصغيرة وطنجة لا تشكل استثناءا في ذلك.
- نحن في التنسيقية، ندرك حجم المشكل وخطورتها، ونحن نعمل لا من منطلق الخطابة والقرار أو منطلق العمل الخيري، بل من مقاربة حقوقية لصيقة بكرامة الطفل. ولا نقيم تراتبية بين الحقوق من حيث الأولوية (فكل الحقوق مهمة وذات أولوية بالنسبة للطفل). كما أننا نهتم بكل جوانب أوضاع الأطفال باعتبار تلك الحقوق كونية وغير قابلة للتجزئة.
وفي الختام، نؤكد على أن حقوق الطفل تسائل ضمير المغاربة أجمعين لان الطفل هو مستقبل هذا الوطن وحرمان أو هدر كرامته أو إهانته يعني فقدان المغاربة لكرامتهم ولإنسانيتهم، ومن حيث المنهج نتعامل مع الأطفال من مقاربة الحقوق الإنسانية، وليس مقاربة "الإغاثة".
لذا، ندعو الجميع للعمل سويا للنهوض بأوضاع الأطفال في بلادنا وتأمين حماية أفضل لهم.
الملفات المعروضة على الجمعية بطنجة:
بعد مرور خمسة اشهر على تاريخ تأسيس تنسيقية طنجة، ورغم غياب الإمكانات الضرورية، باشرت التنسيقية عملها الميداني بحملات تحسيسية كانت تهدف إلى التعريف بالجمعية ومجالات تدخلها.
وبعد الاستطلاع الذي قامت به التنسيقية بطنجة، تبين تفشي ظاهرة الاعتداء الجنسي بالأوساط الأكثر أمانا في نظر الأسر، وعلى رأسها المدرسة. ولهذه الغاية نظمت أيام دراسية لفائدة أطر وتلاميذ المؤسسات التعليمية بإشراك السلطة القضائية وشرطة الأحداث والمتدخلين في المجال التربوي كجمعيات الآباء والأمهات... والتي كان الهدف منها البحث عن سبل وآليات حماية الأطفال من الاعتداء الجنسي بالوسط المدرسي، كما استفاد التلاميذ من هذه الأيام الدراسية، بتمكينهم من وثائق وأشرطة سينمائية ذات الصلة، وفي هذا الإطار، تم تكليفهم بعرض مشاريع تهدف إلى خلق "مدرسة بدون عنف ولا اعتداء" غير أن هذا المشروع، لم يحظ بالاهتمام اللازم من قبل الإدارة التربوية، مما حدا بالتنسيقية إلى عرض هذا المشروع على الإدارة المركزية لوزارة التربية الوطنية، عن طريق المكتب المركزي للجمعية ونحن الآن في المراحل الأخيرة من إعداد شراكة مع الوزارة الوصية على قطاع التربية والتكوين والتي ستمكننا من تنفيذ وتعميم المشاريع التي تعتزم الجمعية القيام بها لوضع الآليات والسبل الضرورية لحماية الأطفال من الاعتداء بكل أنواعها بالوسط المدرسي.
فإلى غاية كتابة هدا التقرير، توصلت ب 50 ملفا جل ضحاياه أطفال متمدرسون، أي بمعدل 3 شكايات في اليوم. أخطرها ملف مدير مدرسة بطنجة حوكم بسنتين سجنا نافدة على خلفية تحرشه بتلميذاته. ثم ملف طفلة قاصر عمرها 15 سنة وجدت ميتة في سيارة رفقة شخص راشد ادعى أن وفاتها كانت نتيجة حادث مفتعل، وبعد تدخل الجمعية ومطالبتها السلطات المعنية فتح تحقيق في الموضوع، جاء تقرير الطب الشرعي ليثبت بأن الطفلة توفيت جراء اعتداء جسمي عنيف عليها، وأنها كانت قد أخذت جرعات كبيرة من المخدرات الصلبة صحبة مرافقها، ولا زال التحقيق مستمرا لكشف ملابسات هدا الحادث.
وقد تنصبت الجمعية كطرف مدني في كل هده الملفات، التي يشتغل عليها محامو الجمعية بشكل تطوعي، ولا يتم الوقوف عند هدا الحد بل تتم مرافقة الطفل الضحية، إن على مستوى تضميد جراحه الجسدية على يد أطباء متطوعين، إضافة إلى المرافقة الطبية النفسية العيادية تحت إشراف دكتور متخصص متطوع.
واليوم، أصبحت التنسيقية أكثر إلحاحا على السلطات المحلية الإقليمية بتوفيرها مركزا للاستماع والإيواء الخاص بالأطفال ضحايا الاعتداءات وخاصة منها الجنسية. إلى جانب توفير الدعم اللازم لتحقيق هذه الغاية.
0 التعليقات:
إرسال تعليق